فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والسابع: أنه قال في سورة البقرة: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: 59] وقال هاهنا: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} والثامن: أنه قال في سورة البقرة: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} وقال هاهنا: {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها ألبتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة.
أما الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة: {ادخلوا هذه القرية} وقال هاهنا: {اسكنوا} فالفرق أنه لابد من دخول القرية أولًا، ثم سكونها ثانيًا.
وأما الثاني: فهو أنه تعالى قال في البقرة: {ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ} [البقرة: 58] بالفاء.
وقال هاهنا: {اسكنوا هذه القرية وَكُلُواْ} بالواو والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، كما يوجد بعضها ينعدم.
فإنه إنما يكون داخلًا في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكونًا لا دخولًا.
إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار.
فلا جرم يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: {ادخلوا هذه القرية} وأما السكون فحالة مستمرة باقية.
فيكون الأكل حاصلًا معه لا عقيبه فظهر الفرق.
وأما الثالث: وهو أنه ذكر في سورة البقرة {رَغَدًا} وما ذكره هنا فالفرق الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان ذلك الأكل ألذ لا جرم ذكر فيه قوله: {رَغَدًا} وأما الأكل حال سكون القرية، فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ما لم تكن اللذة فيه متكاملة، فلا جرم ترك قوله: {رَغَدًا} فيه.
وأما الرابع: وهو قوله في سورة البقرة: {وادخلوا الباب سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ} وفي سورة الأعراف على العكس منه، فالمراد التنبيه على أنه يحسن تقديم كل واحد من هذين الذكرين على الآخر، إلا أنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى، وإظهار الخضوع والخشوع لم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.
وأما الخامس: وهو أنه قال في سورة البقرة: {خطاياكم} [البقرة: 58] وقال هاهنا: {خطيئاتكم} فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة، فهي مغفورة عند الإتيان بهذا الدعاء والتضرع.
وأما السادس: وهو أنه تعالى قال في سورة البقرة: {وَسَنَزِيدُ} [البقرة: 58] بالواو وهاهنا حذف الواو فالفائدة في حذف الواو أنه استئناف، والتقدير: كان قائلًا قال: وماذا حصل بعد الغفران؟ فقيل له {سَنَزِيدُ المحسنين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ}.
اختلف في المأخوذ منه تسمية القرية على وجهين:
أحدهما: لأن الماء يقرى إليها أي يجمع، من قولهم قرى الماء في حوضه إذا جمعه.
والثاني: لأن الناس يجتمعون إليها كما يجتمع الماء في الحوض.
واختلف في هذه القرية على قولين:
أحدهما: أنها بيت المقدس، قاله قتادة.
والثاني: هي أرض الشام، قاله الحسن.
فإنه قيل: فكيف سمى المأوى مسكنًا والإنسان في مسكنه متحرك؟ قيل لأنه يترك فيه التصرف فصار في أكثر أحواله ساكنًا وإن كان في بعضها متحركًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}.
المعنى واذكر {إذ قيل لهم}، والمراد من سلف من بني إسرائيل، وذلك أنهم لما خرجوا من التيه قيل لهم {اسكنوا هذه القرية} و{القرية} في كلام العرب المدينة مجتمع المنازل، والإشارة هنا إلى بيت المقدس، قاله الطبري، وقيل إلى أريحا، و{حيث شئتم} أي هي ونعمها لكم مباحة، وقرأ السبعة والحسن وأبو رجاء ومجاهد وغيرهم {حطةٌ} بالرفع، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {حطةً} بالنصب، الرفع على خبر ابتداء تقديره طلبنا حطة، والنصب على المصدر أي حط ذنوبنا حطةً، وهذا على ان يكلفوا قول لفظة معناها حطة، وقد قال قوم كلفوا قولًا حسنًا مضمنة الإيمان وشكر الله ليكون حطة لذنوبهم، فالكلام على هذا كقولك قل خيرًا.. وتوفية هذا مذكور في سورة البقرة.
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي {نغفر} بالنون {لكم خطيئاتكم} بالتاء مهموز على الجمع، وقرأ أبو عمرو {نغفر} بالنون {لكم خطاياكم} نحو قضاياكم وهي قراءة الحسن والأعمش، وقرأ نافع {تُغفر} بتاء مضمومة {لكم خطيئاتُكم} بالهمز وضم التاء على الجمع، ورواها محبوب عن أبي عمرو، وقرأ ابن عامر {تُغفر} بتاء مضمومة {لكم خطيئتُكم} واحدة مهمزوة مرفوعة، قال أبو حاتم: وقرأها الأعرج وفرقة {تُغفر} بالتاء وفتحها على معنى أن الحطة تغفر إذ هي سبب الغفران، و{بدل} معناه غير اللفظ دون أن يذهب بجميعه، وأبدل إذا ذهب به وجاء بلفظ آخر والإشارة بالقول إلى قول بني إسرائيل حبة في شعرة أو حنطة في شعيرة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وإذ قيل لهم} يعني واذكر يا محمد لقومك إذ قيل لهم يعني لبني إسرائيل {اسكنوا هذه القرية} يعني بيت المقدس، وقال في سورة البقرة: ادخلوا هذه القرية، ولا منافاة بينهما لأن كل ساكن في موضع لابد له من الدخول إليه {وكلوا منها حيث شئتم} يعني وكلوا من ثمار القرية وزروعها وحبوبها وبقولها حيث شئتم وأين شئتم.
وقال في البقرة: فكلوا، بالفاء وهو بالواو والفرق بينهما أن الدخول حالة مقتضية للأكل عقبه فيحسن دخول الفاء التي هي للتعقيب ولما كانت السكنى حالة استمرار حسن دخول الواو عقب السكنى فيكون الأكل حاصلًا متى شاؤوا وإنما قال في سورة البقرة: رغدًا، ولم يقله هنا لأن الأكل عقب الدخول ألذ وأكمل فأما الأكل مع السكنى والاستمرار فليس كذلك فحسن دخول لفظة رغدًا هناك بخلافه هنا {وقولوا حطة} أي حط عنا ذنوبنا {وادخلوا الباب سجدًا} وقال في البقرة عكس هذا اللفظ ولا منافاة في ذلك لأن المقصود من ذلك تعظيم أمر الله وإظهار الخضوع والخشوع له فلم يتفاوت الحال بسبب التقديم والتأخير {نغفر لكم خطيئاتكم} يعني نغفر لكم ذنوبكم ولم نؤاخذكم بها.
وإنما قال هنا خطيئاتكم وفي البقرة خطاياكم لأن المقصود غفران ذنوبهم سواء كانت قليلة أو كثيرة إذا أتوا بالدعاء والتضرع {سنزيد المحسنين} وقال في سورة البقرة: وسنزيد، بالواو ومعناه أنه قد وعد المسيئين بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بهذا المعنى لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له: سنزيد المحسنين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} منصوب بمضمر خوطب به النبيُّ عليه الصلاة والسلام وإيرادُ الفعلِ على البناء للمفعول مع استناده إليه تعالى كما يفصِحُ عنه ما وقع في سورة البقرة من قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا} للجري على سنن الكبرياء والإيذان بالغِنى عن التصريح به لتعين الفاعلِ، وتغييرُ النظمِ بالأمر بالذكر للتشديد في التوبيخ أي اذكر لهم وقت قولِه تعالى لأسلافهم: {اسكنوا هذه القرية} منصوب على المفعولية، يقال: سكنت الدارَ وقيل: على الظرفية اتساعًا، وهي بيتُ المقدس وقيل: أريحا وهي قريةُ الجبارين وكان فيها قومٌ من بقية عادٍ يقال لهم: العمالقةُ على رأسهم عوجُ بنُ عنقٍ وفي قوله تعالى: {اسكنوا} إيذانٌ بأن المأمورَ به في سورة البقرة هو الدخولُ على وجه السُّكنى والإقامة، ولذلك اكتُفي به عن ذكر رغدًا في قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِنْهَا} أي من مطاعمها وثمارِها على أن من بعيضيةٌ أو منها على أنها ابتدائية {حَيْثُ شِئْتُمْ} أي من نواحيها من غير أن يزاحمَكم فيها أحدٌ فإن الأكلَ المستمرَّ على هذا الوجه لا يكون إلا رغدًا واسعًا، وعطفُ كلوا على اسكُنوا بالواو لمقارنتها زمانًا بخلاف الدخولِ فأنه مقدمٌ على الأكل ولذلك قيل هناك: فكلوا {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أي مسألتُنا أو أمرُك حِطةٌ لذنوبنا وهي فِعلة من الحَطّ كالجِلسة {وادخلوا الباب} أي بابَ القرية {سُجَّدًا} أي متطامنين مُخبتين أو ساجدين شكرًا على إخراجهم من التيه، وتقديمُ الأمر بالدخول على الأمر بالقول المذكور في سورة البقرة غيرُ مُخلَ بهذا الترتيب لأن المأمورَبه هو الجمعُ بين الفعلين من غير اعتبارِ الترتيبِ بينهما ثم إن كان المرادُ بالقرية أريحاءَ فقد روي أنهم دخلوها حيث سار إليها موسى عليه السلام بمن بقي من بني إسرائيلَ أو بذراريهم على اختلاف الروايتين ففتحها كما مر في سورة المائدة، وأما إن كان بيتَ المقدس فقد رُوي أنهم لم يدخُلوه في حياة موسى عليه السلام فقيل: المرادُ بالباب بابُ القُبة التي كانوا يصلّون إليها {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيئاتكم} وقرئ {خطاياكم} كما في سورة البقرة، و{تُغفَرْ لكم خطيئاتُكم} و{خطاياكم} و{خطيئتُكم} على البناء للمفعول {سَنَزِيدُ المحسنين} عِدةٌ بشيئين بالمغفرة وبالزيادة، وطرحُ الواوا هاهنا لا يُخِل بذلم لأنه استئنافٌ مترتبٌ على تقدير سؤال نشأ من الإخبار بالغفران كأنه قيل: فماذا لهم بعد الغفرانِ؟ فقيل: سنزيد وكذلك زيادةٌ منهم زيادةَ بيان. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} معمول لا ذكر، وإيراد الفعل هنا مبنيًا للمفعول جريًا على سنن الكبرياء مع الإيذان بأن الفاعل غني عن التصريح أي اذكر لهم وقت قولنا لأسلافهم {اسكنوا هذه القرية} القريبة منكم وهي بيت المقدس أو أريجاء، والنصب مبني على المفعولية كسكنت الدار على الظرفية اتساعًا والتعبير بالسكنى هنا للإيذان بأن المأمور به في البقرة الدخول بقصد الإقامة أي أقيموا في هذه القرية {وَكُلُواْ مِنْهَا} أي مطاعمها وثمارها أو منها نفسها على أن من تبعيضية أو ابتدائية {حَيْثُ شِئْتُمْ} أي من نواحيها من غير أن يزاحمكم أحد؛ وجيء بالواو هنا وبالفاء في البقرة لأنه قيل هناك ادخلوا ذكر التعقيب معه وهنا اسكنوا والسكنى أمر ممتد والأكر معه لا بعده، وقيل: إن إذا تفرع المسبب عن السبب اجتمعا في الوجود فيصح الإتيان بالواو والفاء، وفيه أن هذا إنما يدل على صحة العبارتين وليس السؤال عن ذلك، وذكر {رَغَدًا} [البقرة: 58] هناك لأن الأكل في أول الدخول يكون ألذ وبعد السكنى واعتباره لا يكون كذلك وقيل: إنه اكتفى بالتعبير باسكنوا عن ذكره لأن الأكل المستمر من غير مزاحم لا يكون إلا رغدًا واسعًا، وإلى الأول ذهب صاحب اللباب، ويرد على القولين أنه ذكر {رَغَدًا} [البقرة: 35] مع الأمر بالسكنى في قصة آدم عليه السلام، ولعل الأمر في ذلك سهل {وَقُولُواْ حِطَّةٌ وادخلوا الباب سُجَّدًا} مر الكلام فيه في البقرة غير أن ما فيها عكس ما هنا في التقديم والتأخير ولا ضير في ذلك لأن المأمور به هو الجمع بين الأمرين من غير اعتبار الترتيب بينهما، وقال القطب: فائدة الاختلاف التنبيه على حسن تقديم كل من المذكورين على الآخر لأنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى وإظهار الخشوع والخشوع لم يتفاوت الحال في التقديم والتأخير {نَّغْفِرْ لَكُمْ} جزم في جواب الأمر.
وقرأ نافع.
وابن عامر.
ويعقوب {لَّمْ تَغْفِرْ} بالتاء والبناء للمفعول و{خيآتكم} بالرفع والجمع غير ابن عامر فإنه وحد، وقرأ أبو عمرو {لَكُمْ خطاياكم} كما في صورة [البقرة:]، وبين القطب فائدة الاختلاف بين ما هناك وبين ما هنا على القراءة المشهورة بأنها الإشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة فهي مغفور بعد الإتيان بالمأمور به، وطرح الواو هنا من قوله سبحانه وتعالى: {سَنَزِيدُ المحسنين} إشارة إلى أن هذه الزيادة تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به كما قيل.
والمراد أن امتثالهم جازاه الله تعالى بالغفران وزاد عليه وتلك الزيادة فضل محض منه تعالى فقد يدخل في الجزاء صورة لترتبه على فعلهم وقد يخرج عنه لأن زيادة على ما استحقوه، ولذا قرن بالسين الدالة على أنه وعد وتفضل، ومفعول نزيد محذوف أي ثوابًا وزيادة منهم في قوله تعالى شأنه: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}. اهـ.